top of page

نحو مستقبل أخضر

الشرق الأوسط يرسم طريقاً جديداً نحو سياحة مستدامة تهدف إلى ضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.


- ناصر النويس، رئيس مجلس إدارة روتانا


شهد قطاع السياحة العالمي نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، حيث يتوقع أن يصل حجمه إلى 17 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2027. وفي الشرق الأوسط وحده، تساهم السياحة بما يقارب 9% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، مع توقعات بنمو سنوي قوي بنسبة 7.7% في السنوات القادمة. هذا النمو المتسارع يفرض علينا مسؤولية كبيرة، وهي الحفاظ على المقومات التي تجعل منطقتنا وجهة جاذبة للمسافرين من مختلف أنحاء العالم.


من شواطئ أبوظبي الحائزة على العلم الأزرق وكنوز البتراء الأثرية، إلى عوالم السعودية البحرية الساحرة ومعالم قطر الثقافية البارزة، يزخر الشرق الأوسط بكنوز طبيعية وثقافية لا تُحصى. لذا، علينا أن نحافظ على هذه الكنوز والثروات التي نعتز بها اليوم، ونحميها ونصونها للأجيال القادمة، كي تتاح لهم فرصة الاستلهام من تراثنا العريق.


والخبر السار هو أن عجلة التغيير قد دارت بالفعل، حيث نشهد اليوم بكل فخر مختلف الجهات في أرجاء الشرق الأوسط وهي لا تقف عند حدود مواجهة التحديات، بل تتخطاها لتقود مسيرة التغيير. نحن نرسم مسارات جديدة في عالم السياحة المستدامة، مسارات لا تقتصر على إعادة تعريف هذه الصناعة، بل تسعى أيضاً إلى حماية تراثنا الثمين وضمان استدامته للأجيال القادمة. هذه الجهود الرائدة ترسم ملامح مستقبل سياحي واعد يحترم ماضينا، ويحتفي بحاضرنا، ويمضي بخطىً واثقة نحو المستقبل.


الريادة بالقدوة

تبنت دبي نهجاً واعياً بيئياً في قطاع السياحة، تجلى في إطلاق مبادرات مثل "ختم دبي للسياحة المستدامة"، والذي يُمنح للفنادق التي تُظهر التزاماً استثنائياً بمعايير الاستدامة التسعة عشر التي وضعتها دائرة السياحة والتسويق التجاري بدبي. تهدف هذه المعايير إلى تحسين الأداء البيئي لقطاع الضيافة، مما يعكس التزام دبي الراسخ بمستقبل أكثر استدامة.


حتا


علاوة على ذلك، أطلقت الإمارة مشاريع سياحية جديدة محورها الاستدامة. وتعد "خطة تطوير حتا الرئيسية" نموذجاً رائداً على هذا الالتزام، حيث تهدف إلى تحويل هذه المدينة الخلابة إلى وجهة سياحية مستدامة. وتتضمن الخطة إطلاق تجارب سفر ومغامرات جديدة وصديقة للبيئة، وتوفير حلول نقل عام أكثر استدامة، وإنشاء مناطق جذب سياحي تركز على الطبيعة، وكلها مصممة للاحتفاء بجمال حتا الطبيعي الفريد وتراثها الثقافي الغني.


ويُعد مشروع تطوير شاطئ جبل علي مثالاً آخر بارزاً على هذا النهج، حيث يشكل جزءاً أساسياً من "مخطط دبي الحضري 2040"، الذي يهدف إلى بناء مجتمعات نابضة بالحياة وصحية. يمتد هذا المشروع على مسافة 6.6 كيلومترات، وسيوفر مرافق ترفيهية فريدة من نوعها، مع التركيز بشكل خاص على الحفاظ على البيئة وحماية النظم الإيكولوجية المحلية والحياة البرية.


مملكة المستقبل

على نفس المنوال، تبرز العلا في المملكة العربية السعودية كوجهة سياحية رائدة دون المساس بالتزامها الراسخ بالحفاظ على البيئة والتراث. تحتفي هذه الوجهة الفريدة بتاريخ المدينة العريق الذي يمتد لآلاف السنين، وتأسر زوارها بجمالها الطبيعي الخلاب وتراثها الغني وسحرها القديم.


الحجر، العُلا


وفي غرب المملكة، يُعرف مشروع البحر الأحمر الطموح في المملكة العربية السعودية أيضاً بتناغمه الفريد بين الحفاظ على البيئة وتنمية السياحة. صُمم المشروع لحماية 4000 كيلومتر من الشعاب المرجانية في البحر الأحمر. في الواقع، تخصص الخطة الرئيسية واحد بالمائة فقط من جزر الوجهة للتطوير، وتُبقي 99 بالمائة المتبقية على حالها كمناطق محمية، مما يضمن ازدهار النظام البيئي البحري النابض بالحياة.


تركيز متجدد

حديقة القرم في جبيل


في أبوظبي، تهدف "استراتيجية السياحة 2030" التي تم إطلاقها مؤخراً إلى تعزيز النمو المستدام والتطوير الاستراتيجي في قطاع السفر والسياحة. من خلال التوافق مع أهداف الإمارة للاستدامة، تقدم الاستراتيجية مبادرات مصممة بعناية، تفتح فرصاً اقتصادية، وتحتفي بالثقافة المحلية، وتعزز جاذبية الإمارة، مع الحفاظ على تراثها الطبيعي والثقافي للأجيال القادمة.


وفي سياق مماثل، تعزز البحرين استراتيجيتها السياحية من خلال التركيز على السياحة البيئية. ويتجلى ذلك في مشروع الطاقة الشمسية لـ "عالم المعارض البحرين" في الصخير، والذي يتضمن تركيب ألواح شمسية لتوليد الطاقة المتجددة وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية. ويراعي المشروع أيضاً الاعتبارات البيئية المتقدمة ومعايير العزل عالية الجودة.


الطريق نحو المستقبل

بينما يمضي الشرق الأوسط بثبات نحو مستقبل مستدام لقطاع السياحة، تبرز هذه الجهود التزام المنطقة الراسخ بالمسؤولية البيئية، فالحفاظ على كنوزنا الطبيعية والثقافية ليس مجرد واجب، بل هو فرصة ذهبية لنضمن استمرار هذه المناظر الطبيعية الخلابة وتاريخنا العريق وثقافتنا النابضة بالحياة للأجيال القادمة.

bottom of page