صمدت العلامة التجارية لوي فيتون عبر الزمن منذ بدايتها المتواضعة الأولى في فرنسا كمتجر لحقائب السفر إلى علامة تجارية عالمية مرموقة يقودها أحد أغنى رجال الأعمال في العالم، وليصبح شعار LV الأقوى في عالم الموضة
دار أزياء لوي فيتون فريدة في كل شيء، فهي أحد أقدم العلامات التجارية المرادفة للفخامة في العالم، وأصبحت مرادفاً للمكانة الاجتماعية في عصرنا هذا. وُلِد لوي فيتون في عائلة من الطبقة العاملة، ولم يكن يعلم وقتها أن أفعاله لن تغير حياته فحسب بل حياة الأجيال القادمة.
بدأ لوي مسيرته باحتراف صناعة حقائب السفر بعمر السادسة عشر، عندما سافر عام 1837 من قريته أنشاي سيراً على الأقدام إلى باريس مدفوعاً بالرغبة في التدرب على يد السيد مارشال، صانع الصناديق الناجح والمعروف في جميع أنحاء فرنسا. في ذلك الوقت كانت القطارات والقوارب والعربات التي تجرها الخيول هي وسائل النقل الأساسية وكان التعامل مع الأمتعة عنيفاً، مما جعل المسافرين يطلبون من صناع الأمتعة المهرة صناديق متينة ليحزموا أمتعتهم ويحموا ممتلكاتهم أثناء السفر.
وازدهرت تجارة صناديق السفر عندما أصبح السفر جزءاً لا يتجزأ من الحياة، وبدأ العملاء في المطالبة بصناديق مصممة خصيصاً لهم. قضى لوي 17 عاماً من حياته المهنية يعمل لدى مارشال، حيث اكتسب الخبرة والسمعة كأحد أفضل الصناع المتخصصين في هذا المجال، وجذبت مهاراته انتباه الأسرة المالكة والنبلاء عندما أصبحت جوزفين زوجة نابليون الثالث إحدى زبائنه.
وفي عام 1854 ومع ازدهار العمل، قرر لوي فتح ورشته الخاصة للأمتعة في 4 شارع نوف دي كابيسون بالقرب من بلاس فاندوم. تقول اللافتة خارج متجره باللغة الفرنسية: "نحزم بأمان الأمتعة الأكثر هشاشة. متخصصون في حزم الأزياء." كان النجاح المبكر للعلامة التجارية يعني أنه كان عليه أن يوسع نطاق عمله سريعاً بشكل ما، مما دفعه لافتتاح المزيد من الورش، ما سمح له بالإبداع في تصميماته وأن يظل مبتكرأ ومبدعاً على طول مسيرته المهنية. وقد جرب استخدام القماش بدلاً من الجلد مما جعل الصناديق مقاومة للماء ومتينة وقدم صناديق مستطيلة، كانت الصناديق حتى هذا الوقت ذات أغطية مستديرة، مما جعلها قابلة للتكديس فوق بعضها البعض، كما قدم مع ابنه نظام قفل آمن.
قدم لوي فيتون مساهمات عظيمة في صناعة الأمتعة، ولا يزال تأثيره على عالم الأزياء الفاخرة يتردد صداه حتى يومنا هذا، ويتجلى في عدد لا يحصى من المقلدين والمتابعين على مدار قرن من الزمان. واليوم يعد التنقل بقطعة من دار لوي فيتون، سواء للسفر أو للاستخدام اليومي، رمزاً للأناقة المطلقة.
تولى جورج فيتون إدارة الدار بعد وفاة لوي عام 1892 وحافظ على رؤية والده وإرثه وروح الابتكار التي قدمها. وبعد توليه إدارة الدار بنحو أربع سنوات، تم إطلاق أول قماش بتصميم شعار يحمل أحرف LV والزهرة رباعية الفصوص، والتي مازلنا نراها على حقائب اليد والمجوهرات والملابس الخاصة بالعلامة التجارية حتى يومنا هذا. واستمر السفر كمصدر إلهام رئيسي للعلامة التجارية، حيث كان جورج مسؤولاً عن تقديم سلسلة كتب "الرحلة". وفي عام 1914 افتتح مبنى لوي فيتون في شارع الشانزليزيه بباريس ليصبح أكبر متجر لمستلزمات السفر في العالم.
تطور العمل تحت قيادة جورج لينتقل إلى العالمية، وسرعان ما تألقت العلامة التجارية وجذبت عملاء النخبة بفضل براعة التصنيع والتصميمات المتميزة. كما جذبت مجموعات الدار أنظار جابرييل كوكو شانيل، التي طلبت حقيبة يد مخصصة أطلق عليها اسم "ألما" في عام 1925، والتي سمحت لاحقاً بإنتاجها بكميات كبيرة، مما يشير إلى غزو فيتون لصناعة المنتجات الجلدية الفاخرة من الفئة الأصغر.
مع انتقال إدارة الدار عبر الأجيال، اُفتتحت المزيد من المتاجر حول العالم من نيويورك إلى بكين. ولعل أكبر إنجاز حدث في عام 1987، عندما دُمجت الدار مع العلامتين التجاريتين العريقتين موي وشاندون للشمبانيا وهنيسي للكونياك، لتنشئ مجموعة LVMH. وما بدأ بصفقة تزيد قيمتها عن 3,7 مليون دولار نما الآن إلى شركة قابضة وتكتل متعدد الجنسيات بقيمة 83,4 مليار دولار اعتباراً من عام 2022 تتولى 75 علامة تجارية.
رفع هذا التكتل من قدر لوي فيتون إلى أعالي السماء، وشهد عام 1997 تعيين الدار لأول مدير إبداعي لها، المصمم الأمريكي مارك جاكوبس، الذي تم تعيينه لتأكيد مكانة العلامة التجارية كبيت أزياء. أطلق جاكوبس أول مجموعات الدار للملابس الجاهزة للرجال والنساء في غضون عام من تعيينه. وبجانب الملابس والحقائب وحقائب السفر، أطلقت لوي فيتون مجموعاتها من المجوهرات والنظارات الشمسية والأحذية والعطور في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والتي عكست جميعها حب الدار للسفر والتصميم.
تميزت المجموعات العديدة التي تلت ذلك بأناقتها على مر العصور وأصبحت مرغوبة بشدة من نجوم هوليوود والملوك من جميع أنحاء العالم. ويواكب التكتل رغبات المستهلكين المعاصرين ويحافظ على رغبتهم في الحصول على هذه المنتجات المطلوبة، كأحد أنجح موردي السلع الفاخرة، لتبيع LVMH كل عام ما قيمته مليارات الدولارات من السلع الفاخرة للعملاء في جميع أنحاء العالم. القوة الدافعة وراء الكواليس هي برنارد أرنو، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للمجموعة البالغ من العمر 74 عاماً، والذي بلغت صافي ثروته 211 مليار دولار أمريكي، ليتغلب بذلك على إيلون ماسك وجيف بيزوس ويحتل المركز الأول في تصنيف فوربس السنوي للمليارديرات في أبريل قبل أن يفوز به ماسك مرة أخرى في يونيو.
أمضى أرنو، الذي أطلقت عليه الصحافة العالمية اسم "بابا الموضة"، أكثر من ثلاثة عقود في بناء LVMH من شركة تصنيع ملابس صغيرة إلى تكتل يضم 75 من أقوى العلامات التجارية في العالم. درس أرنو القادم من مدينة روبيه بشمال فرنسا، الهندسة في جامعة العلوم التطبيقية وعمل في شركة الإنشاءات الخاصة بوالده بعد التخرج، واستحوذ في عام 1984 على شركة أجاش ويلوت بوساك المالكة للمتجر الفرنسي متعدد الأقسام بون مارشيه ودار أزياء كريستيان ديور. كما استحوذ بعدها بفترة على دار أزياء سيلين وموَّل المصمم الفرنسي كريستيان لاكروا، قبل أن يحدد أرنو هدفه بإدارة أكبر شركة فاخرة في العالم ووضع نصب عينيه LVMH، وأنفق ما يصل إلى 2.6 مليار دولار لشراء أسهمها ليصبح أكبر مساهم في الشركة ورئيسها ومديرها التنفيذي في عام 1989، ليقود الشركة ببراعة وإبداع نحو النمو والربح مع العديد من العلامات التجارية التي تقدم منتجات لا غنى عنها لعملائها اليوم.
في إحدى مقابلاته السابقة، قال أرنو أن الحرية الإبداعية الممنوحة لفناني الشركة هي التي أوصلتها إلى مثل هذه الآفاق. فالشركة اتخذت بعض القرارات غير المقيدة لقوتها الإبداعية، مثل السماح للعارضات بالسير على المدرج بفساتين مصنوعة من الصحف.
قال أرنو أن منع حتى أكثر الأفكار غرابة كان من الممكن أن يسحق روح مصمميها الذين واصلوا الارتقاء بالعلامات التجارية التي عملوا من أجلها إلى آفاق جديدة. ولكن من خلال توجيه روح الابتكار هذه على نهج لوي فيتون، وضع التزام أرنو بالتميز والإبداع الأساس للمجموعة لمواصلة كسر الحواجز في عالم السلع الفاخرة.