في الوقت الذي أسدل فيه الستار على إكسبو 2020 دبي بعد ستة أشهر من الفعاليات الشيقة والاحتفالات الثقافية، إلا أن الحدث خلف وراءه إرثاً لا يتزعزع للإمارة والإمارات العربية المتحدة وجميع الدول التي شاركت في المعرض العالمي الأول في الشرق الأوسط.
ناصر النويس - رئيس مجلس ادارة روتانا
منذ إقامة أول إكسبو عالمي، والذي كان يُعرف آنذاك باسم المعرض الكبير، في لندن عام 1851، حرص القائمون على الحدث بأن يكون مركزاً للإلهام يظهر براعة البشرية وطموحها وريادتها. وقد حققت هذه الصيغة نجاحاً فورياً، مما أدى إلى تكرارها كل خمس سنوات في جميع أنحاء العالم، وعلى مدار الـ 170 عاماً الماضية.
وفي عام 2013، فازت دبي بحق استضافة أول إكسبو عالمي يقام على أرض الشرق الأوسط، حيث تفوقت الإمارة على العروض المنافسة بعد حملة ناجحة توجت بالنصر، وعمّت مشاعر الفرح والبهجة جميع أنحاء البلاد. وخلال فترة التجهيزات التي سبقت الحدث، تغير المشهد العام في الأمة بشكل جذري.
وعلى الرغم من تأجيل معرض إكسبو 2020 دبي لمدة عام بسبب الوباء، فقد تم افتتاحه خلال عام اليوبيل الذهبي لدولة الإمارات العربية المتحدة الذي صادف في عام 2021، وهو سبب احتفال يليق بمثل هذا الحدث العالمي. تعزز حضور دولة الإمارات العربية المتحدة على المسرح العالمي من خلال الحدث الذي استقطب ما يقرب من 200 جناح دولة إلى أكبر معرض في العالم، لعرض ابتكاراتهم وثقافاتهم واستكشاف أوجه التآزر بين مختلف الدول.
ورغم انعقاده في ظل جائحة عالمية، إلا إن نجاح إكسبو دبي كان منقطع النظير، حيث تم تنفيذه مع الأخذ بعين الاعتبار أقصى درجات السلامة والأمان واتخاذ الاحتياطات الصحية اللازمة. وبالتالي، تمكّن ملايين الزوار الذين عبروا بواباته كل يوم من الاستمتاع بهذه الأعجوبة عالية التقنية براحة بال تامة، بينما كانت الروبوتات ترشدهم إلى الطريق أو تقدم لهم القهوة. كل هذه الإجراءات بما فيها تسهيل فحص الكوفيد في الموقع، وتوفير أحدث وسائل الأمان أدت إلى استمرار الحدث دون أي عوائق رغم حجم الخدمات اللوجستية للتعامل مع ملايين الزوار من جميع أنحاء العالم، فضلاً عن زيارات الأمراء وقادة الدول والنجوم والمشاهير العالميين.
شكلت جميع هذه الإجراءات مثالاً يحتذى به للمناسبات المحلية والإقليمية والعالمية حول كيفية مواصلة العمل حتى في ظل أزمة صحية عالمية. وخلال الأشهر الستة التي مضت اعتباراً من الأول من أكتوبر 2021 وحتى 31 مارس 2022، حقق إكسبو 2020 دبي الكثير من النجاحات، حيث سجل 24,102,967 زيارة من المقيمين والزوار الدوليين مجتمعين. وتزامن ذلك مع بداية تعافي قطاع السفر والسياحة العالمي بعد تفشي الوباء، حيث شهد هذا الحدث انتعاش السياحة في الشرق الأوسط بشكل أسرع من المتوقع.
بالمضي قدماً، سيكون إرث إكسبو 2020 دبي نقطة انطلاقة لدخول الـ 50 عاماً قادمة، حيث سيتحول الموقع إلى مدينة ذكية يمكن الوصول إلى أي نقطة فيها في 15 دقيقة: ديستركت 2020.
على الرغم من أن الحدث قد أغلق أبوابه رسمياً، إلا أنه لا يزال هناك العديد من الأسباب التي تدفعنا للعودة إلى الموقع في منطقة دبي الجنوب، والتي تحولت إلى أعجوبة معمارية في حد ذاتها. وسواء كنت في زيارة للعمل أو للترفيه، سيكون هناك الكثير لاكتشافه، حيث يمكن زيارة عدد من منشآته الأيقونية التي لا تزال قائمة، بما في ذلك شلالات المياه الساحرة، وقبة الوصل، أكبر قبة عرض في العالم.
لكن الشيء الأبرز هو النموذج القائم لمدن المستقبل، حيث من المقرر أن تستقبل "ديستركت 2020" سكانها الأوائل، سواء أكان تجارياً أم سكنياً، خلال العام الجاري.
وكما تعلمون، فإن الاستعدادات تجري حالياً على قدم وساق لتحويل "ديستركت 2020" إلى دولة ناشئة صغيرة داخل واحدة من أكثر دول العالم ابتكاراً. وتتنافس المئات من الشركات الناشئة والشركات الصغيرة من جميع أنحاء العالم الآن للحصول على مساحة لها من 80 موقعاً متاحاً في مركز الابتكار، الذي سيفتتح رسمياً في أكتوبر 2022. سيتم إعادة تصميم الموقع الذي تبلغ مساحته 4.4 كيلومتر مربع لتستوعب عند اكتمالها 145 ألف نسمة من السكان والموظفين، حيث تقوم عدد من الشركات الصغيرة والمتوسطة وشركات عالمية، مثل شركة سيمنز، بنقل عملياتها ومقارها الدولية الرئيسية إلى الأحياء متعددة الاستخدامات.
وستتحول المنطقة كذلك لعاصمة للمؤتمرات، إذ من المقرر تحويل أنشطة مركز دبي التجاري العالمي إلى مركز المؤتمرات والمعارض. وسيظل الترفيه سمة أساسية في المنطقة، مع الحفاظ على المعالم الرئيسية في الموقع مثل ساحة الوصل، التي تعد موقعاً مثالياً لاستضافة الأحداث والحفلات الموسيقية في الهواء الطلق.
على الصعيد ذاته، يتم العمل على تحويل جناح الاستدامة ليصبح مركزاً تعليمياً للأطفال والعلوم. وهذا يعني أن الجيل القادم سيجد الإلهام المستمر داخل قاعات هذا الجناح، وهما يحاكون دور بناة ديستركت 2020، وبالتالي، مستقبل الإمارات العربية المتحدة.
وتماشياً مع الروح المستدامة للمنطقة وتبني نمط الحياة الصحي في هذا المجتمع المتكامل، تم وضع الخطط لتطوير مسارات خاصة للمركبات ذاتية القيادة، وكذلك توسيع شبكة مسارات المشي والجري وركوب الدراجات
كما هو الحال مع أي حدث بهذا الحجم، كانت هناك العديد من الدروس التي سنأخذها معنا بينما نواصل مسيرة النمو الرائعة لدولة الإمارات العربية المتحدة.
وربما تكون أكبر النتائج والدروس المستفادة من هذا الحدث، أنه على الرغم من الظروف الصعبة والشكوك التي قد نواجهها، فإن أي شيء ممكن عندما تجتمع العقول معاً. وقد أكد نجاح إكسبو على هذه الرسالة وتمكت من غرس الأمل في مستقبل أكثر إشراقاً. وباعتباره واحة للابتكار والإبداع والفرص، فقد ألهم الحدث كل زائر لنقل التجارب الهادفة إلى منازلهم وبلادهم وبالتالي المساهمة بشكل إيجابي في بناء مستقبل أفضل.
والأهم من ذلك كله، جاء إكسبو تجسيداً للأمل واليقين بأن التعاون واجتماع الناس معاً من جميع نواحي الحياة، سيسفر عن مستقبل أفضل للجميع ونتائج غير عادية. كما أنه مثالاً ساطعاً على التسامح والاندماج، حيث جمع أشخاصاً من خلفيات مختلفة لخلق إرث سيبٍقى حياً في ذاكرة الجميع.
ومع إسدال الستار على الحدث العالمي، إلا أن الأنظار لا تزال موجهة على الدولة، إذ تواصل دبي والإمارات العربية المتحدة ابهار العالم بخطواتها الريادية ورؤيتها المستقبلية المختلفة، فعلى هذه الأرض لا مكان للمستحيل.