تنظر دول المنطقة إلى المستقبل بعيون مشرقة، بينما توجه جهودها نحو تطوير القطاع السياحي سعياً منها لتحويل المنطقة لواحدة من أكثر الوجهات استقطاباً للسياح في العالم.
ناصر النويس – رئيس مجلس إدارة روتانا
لطالما كانت المنطقة العربية محط اهتمام العالم، وذلك منذ أن كانت الجزيرة العربية تستخدم كمفترق طرق للتجارة التي تربط الشرق والغرب، ولا تزال إلى يومنا هذا بعد أن أصبحت القلب النابض للعالم الحديث، ومكاناً تمتزج فيه التقاليد الخالدة بسلاسة مع التطورات المستقبلية في مشهد فريد من نوعه.
شهدت المنطقة تحولات متسارعة لا سيما خلال العقود القليلة الماضية، حيث أصبحت دول الشرق الأوسط اليوم نموذجاً يحتذى به من قبل الدول النامية في جميع أنحاء العالم. وافسحت المساحات الصحراوية الشاسعة المجال لظهور ناطحات سحاب عملاقة، وتحولت المدن المنعزلة إلى مراكز جاذبة تضم بعضاً من أكثر المواقع السياحية شهرة في العالم. كل ذلك، مع التأكيد على أهمية الحفاظ على تراث المنطقة وتقاليدها العريقة.
كانت قوافل الجمال تعبر الصحراء القاحلة في الماضي في ظل ظروف قاسية لتسهيل تجارة البضائع. وغالباً ما كانت قرى المنطقة الواقعة داخل الواحات ترحب بهؤلاء المسافرين بالماء والطعام بعد رحلة سفر طويلة عبر الكثبان الرملية لتمنحهم مكاناً للحصول على قسط من الراحة عند حلول الليل. وتبقى هذه الصورة حاضرة بالأذهان وفي قلب خططنا الجريئة والطموحة لتطوير المشهد السياحي في الحاضر والمستقبل، إذ تعد الضيافة العربية الأصيلة جزءاً لا يتجزأ من عاداتنا، الأمر الذي سيقود دول المنطقة بشكل عام إلى تحقيق أهدافها الرامية لتصبح من بين الوجهات الأكثر زيارة في العالم.
بدأ عام 2022 بمجموعة من الأخبار الرائعة، حيث احتلت دبي المرتبة الأولى في جوائز اختيار المسافرين من موقع "تريب أدفايزر". بينما أعلنت المملكة العربية السعودية عن خطتها لاستقطاب أكثر من 70 مليون سائح هذا العام بعد أن استقطبت 62 مليون سائح العام الماضي. ومن المقرر أن تتجه الأنظار كذلك إلى قطر في وقت لاحق من هذا العام بعد أن أصبحت الدولة الأولى في الشرق الأوسط التي تستضيف كأس العالم لكرة القدم.
وفي الوقت الذي شهدت فيه المنطقة تحقيق العديد من الإنجازات البارزة، إلا أن دول المنطقة حريصة على الاستمرار في تحقيق المزيد من النجاح وعدم الاكتفاء بأمجاد الماضي، فأينما نظرت ستجد المواقع التراثية والمعالم الرائعة والمراكز الثقافية وملاذات التسوق والفنادق الفخمة والمنتجعات الفاخرة والمحميات الطبيعية، إضافة إلى حرصها على تحسين البنية التحتية وإطلاق البرامج الجديدة الهادفة إلى جذب أعداد أكبر من الزوار.
في دولة الإمارات العربية المتحدة، تم الإعلان عن عدد من الاستراتيجيات الجديدة بما فيها استراتيجية أبوظبي للسياحة 2030، والتي تهدف إلى جذب 23 مليون سائح سنوياً بحلول عام 2030، فضلاً عن إعلان إمارة رأس الخيمة عن نيتها استقبال ثلاثة ملايين زائر سنوياً بحلول عام 2030.
ومنذ منتصف العقد الماضي، بذلت المملكة العربية السعودية ما في وسعها لتأكيد الأولوية التي تحظى بها التنمية السياحية في المملكة. وها هي مواقع التراث التابعة لليونسكو والمدن النابضة بالحياة تبهر الزوار من كل مكان. ولكن كما تقول المملكة، فإن الأفضل لم يأت بعد، إذ من المقرر افتتاح المزيد من المشاريع الضخمة التي تهدف إلى إحداث تغيير شامل في المشهد السياحي، بما في ذلك مشاريع وجهة البحر الأحمر، القدية، ونيوم، والتي من المتوقع افتتاحها على مراحل ابتداءً من هذا العام.
وتعمل قطر جاهدة على تطوير عروضها السياحية إلى ما بعد مباريات كأس العالم. وفي إطار جهودها لتقديم تجارب مثيرة للزوار بعيداً عن ساحات الملاعب الرياضية، من المقرر افتتاح مجموعة كبيرة من الفنادق والمنتجعات والمعالم الثقافية والمتاجر قريباً، وذلك كجزء من استراتيجية الدولة لاستقطاب ستة ملايين زائر بحلول عام 2030.
إضافة إلى كل ذلك، تعمل البحرين وعُمان والكويت جاهدة بالقدر نفسه لإعادة توجيه جهودها نحو تنمية السياحة وجذب المزيد من الزوار سنوياً.
ومع ذلك، فإن الأمر بالنسبة لبلدان المنطقة لا يتعلق بزيادة أعداد الزوار فحسب خاصة مع تغير أولويات المسافرين في أعقاب الوباء، حيث بدأنا نشهد زيادة في الطلب على تجارب مميزة، وخيارات مستدامة تضع الكوكب والمجتمع المحلي في المقام الأول، فضلاً عن الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا، الأمر الذي يحتم على شركات السياحة إعادة النظر ببرامجها لمواكبة متطلبات العصر والحفاظ على ولاء العملاء.
ويبدو أن الشركات في المنطقة قد تلقت الفكرة، وبدأت بالفعل بتقديم تجارب سفر هادفة ومختلفة في عدد من المناطق الرائعة بدءاً من الكثبان الرملية وحتى الواحات الخضراء. كما تعمل هذه الشركات على تبني تقنيات جديدة لتبسيط العمليات وتمهيد الطريق أمام القطاع السياحي لدخول هذا العصر الديناميكي الجديد. على الصعيد ذاته، هناك العديد من الخطوات التي يتم اتخاذها للحد من أية آثار سلبية على البيئة، ففضلاً عن حظر استخدام المصاصات البلاستيكية وإعادة تدوير زجاجات المياه، تتخذ الشركات خطوات إضافية متمثلة في استراتيجيات السفر المستدامة والمسؤولة، وذلك من خلال دعوة الضيوف خلال رحلتهم للمشاركة في الأنشطة التي تساعد على التقليل من آثار بصمتهم الكربونية.
يبدو أن التغيير جارٍ على قدم وساق والمنطقة على أتم الاستعداد لمواجهة التحدي!