top of page

احتضان الإبداع

تساهم المؤسسات القائمة والناشئة والمعارض الثقافية وكذلك المبادرات الجديدة في دولة الإمارات العربية في إنعاش حركة الإبداع الثقافي والفني ونموها في الدولة ومنطقة الخليج بشكل عام، الأمر الذي يجعل متابعة المشهد في الساحة الفنية فرصة لا تعوض.


في أوائل الألفية الثانية، كان العالم ينظر لدول المنطقة باعتبارها دولاً غنية بالنفط فقط، لكن الأمر لم يعد كذلك في أواخر العقد الأول من القرن الـ 21 حيث بدأت دول المنطقة - والإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص - في بذل جهود متتالية ومستمرة من مجال التنمية الفنية والثقافية. وفي الوقت الذي رسخت فيه مدن مثل بيروت والقاهرة ودمشق حضورها ومكانتها على خريطة الإبداع العالمية منذ زمن بعيد بفضل ثقافتها الثرية وحكاياتها المحفورة في أعماق التاريخ لقرون عديدة، شهد مطلع هذا القرن بزوغ مرحلة فنية وثقافية جديدة في الشرق الأوسط، من شأنها أن تجعل منطقة الخليج ملاذاً للفنانين وعشاق الإبداع وجامعي التحف والأعمال الفنية الأصيلة.


بدأ الاهتمام بالفن والثقافة في الإمارات العربية المتحدة بجهود مجموعة مستقلة من جامعي الفنون تضم عدداً من الإماراتيين والمقيمين على أرض الإمارات منذ سنوات طويلة، لكن هذه الجهود تطورت بالتدريج لتصبح سوقاً متكاملة للفنون الحديثة والمعاصرة. ويرجع الفضل في هذا التطور إلى جهود صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات العربية المتحدة ورئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي، الذي كان حريصاً على تشجيع الفنون والثقافة في المدينة، وأمر بتبني مبادرات جديدة لدعم هذا القطاع.

تطور مذهل

من أبرز هذه المبادرات معرض "آرت دبي" الذي نسج قِصة نجاح حقيقية تمثل نموذجاً للمعارض الفنية المقامة في الداخل والخارج. كانت أول انطلاقة لـ "آرت دبي" في معرض الخليج للفنون الذي أقيم في المركز المالي العالمي عام 2007، قبل أن يعاد تسميته في العام التالي ليحصل على لقبه المعروف الآن. ومنذ البداية، اِعتُبر المعرض حاضنة للمواهب ومنصة لانطلاق الفنانين الصاعدين والمبدعين والمحترفين وجميع المهتمين بالفن. واليوم، وأثبت المعرض نجاحاً في تأكيد مكانته على خريطة الفن العالمي باعتباره من أهم معارض الفن المرموقة في العالم.

وأصبح معرض "آرت دبي"، المبادرة المحلية ذات الصِبغة الدولية، منبراً للمبدعين المقيمين والقادمين من مختلف دول العالم مثل: منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وأستراليا. كما كان له دور فعال في تعزيز التواصل والحوار حول الفن بين مشاركين من مختلف المناطق الجغرافية.


ويعود معرض هذا العام في دورته الخامسة عشرة إلى مدينة جميرا بدبي خلال الفترة من 11 وحتى 13 مارس، بـمشاركة 115 صالة عرض بالإضافة إلى 30 مشاركاً جديداً من أكثر من 40 دولة، في أكبر دورة للمعرض منذ انطلاقه حتى الآن. وتتضمن فعاليات هذه الدورة لعام 2022 قسماً جديداً مبتكراً هو "آرت دبي ديجيتال" الذي سيخصص لعرض الفن الرقمي وفن "NFT" الذي سيوفر تقديماً شاملاً للصور التي تشهد تطوراً سريعاً، ويبحث تطور تقنية "NFT" والعملات المشفرة وفن الفيديو والواقع الافتراضي.


كما يتطلع عشاق الفن في الإمارات لعودة فعالية "فنون العالم دبي" خلال الفترة من 16 - 19 مارس، حيث يقدم هذا الحدث لهواة الفن وعشاقه فرصة ذهبية لاستكشاف عالم جديد ومثير من الأعمال الفنية بأسعار جيدة واكتشاف رؤى جديدة في الإبداع الفني.

يجمع المعرض في عامه السابع عدداً من مشاهير الفنانين وكذلك الصاعدين من جميع أنحاء العالم مع مجموعة فنية رائعة تضمها أكثر من 2000 صالة عرض دولية معروفة. وسيجد زوار المعرض أعمالاً فنية تبدأ أسعارها من 100 دولار أمريكي فقط، لتمثل مدخلاً جاذباً للمشاركين والفنانين الجدد إلى عالم الفن، بوصفه أفضل سوق تجزئة متاحة للفن في المنطقة بأسعار ميسرة.

وتزخر باقي شهور العام الجاري بالعديد من الفعاليات الفنية المرموقة مثل: معرض "فن أبوظبي" وأسبوع دبي للتصميم وبينالي الشارقة، التي تعزز ثقافة احتضان الإبداع ورعايته في دولة الإمارات، حيث تجذب المواهب الفنية من المنطقة وكل دول العالم، كما تضع أعمالهم في دائرة الضوء مما يتيح لصالات العرض والقيمين الفنيين الاستثمار فيها.

منطقة حاضنة للجميع

في الوقت الذي ساهمت فيه المعارض الفنية بصورة أساسية في ازدهار الساحة الثقافية بدولة الإمارات العربية المتحدة، ساعد تطوير صالات العرض والمؤسسات والمشروعات الفنية أيضاً في وضع ملامح هذه الصناعة. وكان لمتحف اللوفر أبوظبي تأثيراً ملموساً على ازدهار القطاع إذ مهد الطريق أمام مؤسسات أخرى لتتلمس خطاه.

وفي عام 2020، افتتحت دبي "نادي الفن" كمركز جديد جاذب لمحبي الفن في قلب مركز دبي المالي العالمي، هذا النادي الذي يفخر بتاريخه العريق الذي يعود إلى القرن الـ 19 في لندن حيث تأسس في عام 1863، حيث كان النادي في الماضي ملتقىً للمهتمين بالفن والأدب والعلوم ومجموعة من أعضاء النادي المرموقين، الذين يعدون من أشهر مبدعي التراث في العالم أمثال: تشارلز ديكنز وويلكي كولينز وتوماس هيوز وفرانز ليست وأوجست رودين وغيرهم.

وحتى يومنا هذا، يعد النادي ملتقىً لصفوة المجتمع ومشاهيره. وبينما يعتبر النادي مكاناً راقياً يستضيف فيه الأعضاء ضيوفهم للترفيه عنهم في مقره الأنيق، يظل دوره في رعاية الفن والثقافة بؤرة اهتمامه الأولى تكريماً لأعضائه القدامى الذين قادوا حركات التغيير الاجتماعي من خلال تبادل الأفكار الإبداعية والرائدة داخل النادي.

ومنذ افتتاحه رحب النادي بالمهتمين بالفنون والموسيقى والأدب والتصميم والعلوم والتكنولوجيا والصحة والرفاهية، وكذلك أبدى اهتمامه بالأعمال وريادة الأعمال والعمل الخيري والقانون والمالية والأزياء للاستمتاع بعروضه المؤثرة والجميلة. ويعد محيطة الأنيق مقراً دائماً لعرض مجموعة فنية رائعة أبدعها فنانون مقيمون وقادمون من كل أرجاء المنطقة. كما ينظم النادي معارض دورية بانتظام لمواصلة دوره في دعم الفنون في المنطقة، ويمكن لمبدعي المنطقة أن يشاركوا في المجموعة الفنية المعاصرة والمعارض والفعاليات المختلفة، ضمن برنامج وضعته لجنة الفنانين بالنادي.

ويسعى النادي، وهو الأول من نوعه في الشرق الأوسط، إلى دعم الساحة الفنية في المنطقة من خلال برنامج متنوع من الفعاليات الأسبوعية مثل الحوارات وحلقات النقاش وتنظيم زيارات إلى أستوديوهات الفنانين وإقامة الحفلات الموسيقية الحية وورش العمل الإبداعية والعروض الحصرية وغيرها.

وختاماً، فإن هذه الجهود المشتركة في مجال الفن والثقافة أثبتت أن المنطقة تولي اهتماماً حقيقياً بدعم الفنون، كما أنها أثمرت تألقاً ونجاحاً بارزين بفضل الاستراتيجيات التي وضعتها. لقد نجحت هذه الموجة من التطور والازدهار في جذب زوار جدد بأعداد أكبر للمنطقة، يأتون بحثا عن الإلهام الفني الأمر الذي فتح المجال لإجراء حوار عميق بين الثقافات يهدف إلى التقارب بين الشرق والغرب.

bottom of page