top of page

إحياء الحرفية: سليم عزام في دائرة الضوء

يُسخر مصمم الأزياء اللبناني جهوده للحفاظ على تراث وحرفية شعبه من خلال أزياء فاخرة مصنوعة يدوياً.


بعيداً عن صخب الحياة العصرية، في قرية جبلية نائية في منطقة الشوف اللبنانية، يبدو أن الزمن قد توقف. على الرغم من التوسع الحضري السريع الذي يشهده العالم من حولهم، لا يزال سكان هذه القرية على اتصال وثيق بالطبيعة وجذورهم، محافظين على أسلوب حياة بسيط ومستدام. وتقود هذا الأسلوب إلى حد كبير نساء جبل لبنان - المعروفات بملابسهن السوداء الكلاسيكية وأغطية الرأس البيضاء، واللواتي اشتهرن بمهاراتهن في التطريز المعقد، وقد ألهم إبداعهن المصمم سليم عزام ليحمل هذه الحرفة إلى العالم.


سليم عزام (يسار)


في عصر تهيمن عليه الموضة السريعة، تجرأ سليم - المنحدر من نفس المنطقة التي تنتمي إليها هؤلاء النساء - على السير في طريق مختلف. أدرك الإمكانات الكامنة عند هؤلاء الحرفيات الموهوبات، واللواتي يفخرن بحرفتهن، وتخيل علامة تجارية فاخرة جاهزة للارتداء تتميز بقطع تحتفي بالفن التقليدي وباستخدام مواد مستدامة مستمدة من القرية نفسها. رأى الكثيرون أن الفكرة طموحة للغاية، خاصة أنها قادمة من منطقة تتبنى إيقاع حياة بطيء. لكن الحظ يحالف الجريئين، وبالنسبة لسليم، لم يكن هناك سوى طريق واحد: طريق النجاح.


في عام 2016، بدأ سليم بتصميم بسيط ولكنه لافت للنظر: برتقال مطرز على كم قميص أبيض - وهو رمز لا يزال يمثل علامة مميزة للدار. بمبلغ 3000 دولار أمريكي فقط، وبدون أي نية لإنشاء شركة، أمضى سليم السنوات الثلاث التالية في العمل مع ثلاثة حرفيين، حيث اكتشفوا معاً شغفهم المشترك، ورووا قصصاً عن مجتمعهم وتراثهم من خلال حرفتهم.


في عام 2019، افتتح الفريق مشغلاً، جامعاً قواه الإبداعية تحت سقف واحد. ولم يمض وقت طويل قبل أن يلاحظ عالم الموضة العلامة التجارية، حيث حصلت على العديد من الجوائز، بما في ذلك جائزة Fashion Trust Arabia  المرموقة في العام نفسه، وإعجاب شخصيات شهيرة مثل الملكة رانيا، التي لا تزال من أشد المعجبين بالعلامة التجارية.


ومع بداية العقد الجديد، ألقت جائحة كورونا بظلالها من عدم اليقين على العالم. ولكن، كما يقول سليم، فإنه خلال هذه الأوقات الصعبة أنتج الفريق بعضاً من أفضل أعماله، حيث استمرت العلامة التجارية في الازدهار.


الملكة رانيا ترتدي من تصاميم سليم عزام


واليوم، وعلى الرغم من نجاحها، تظل العلامة وفية لجذورها. فنظرة من الداخل تكشف عدم وجود عمليات صناعية معقدة. بدلاً من ذلك، لا تزال النساء اللاتي ألهمن البدايات المتواضعة للعلامة التجارية في قلبها. فخلف الكواليس، تتجمع هؤلاء الحرفيات الموهوبات في منازلهن، ويجلسن جنباً إلى جنب، ويتشاركن قصصاً عن تراثهن وهن يضعن غرزة تلو الأخرى يدوياً على كل قطعة.


بعد أن نما عدد المطرزات المحليات من ثلاث إلى 60، تجلب كل واحدة منهن جزءاً من تراثها إلى دار أزياء سليم عزام. يعملن معاً على إحياء تقنيات التصميم المعقدة المتجذرة بعمق في تقاليدهن، متحديات تراجع الطلب على القطع المصنوعة يدوياً بسبب الوتيرة السريعة للموضة الحديثة.

نساء جبل لبنان


ولا يقتصر الأمر على التطريز الذي يحيي جذور المصمم اللبناني المحلية. فجميع القطع الجاهزة للارتداء مستوحاة من الأزياء التقليدية لأهل الجبل التي تتميز باللونين الأبيض والأسود. في العديد من المجموعات، يظل اللون الأبيض هو القاعدة الأساسية للنسيج، مع خياطة نظيفة وأحجام فضفاضة تميز كل قطعة تقريباً. إنه بمثابة لوحة فنية تبرز تصاميم التطريز البسيطة ولكنها المذهلة التي جذبت عشاق الموضة في جميع أنحاء العالم.


قطع من مجموعة عايدة لسليم عزام (على اليسار واليمين) ومعطف خفيف مطرز يدوياً باسم "ليل" من مجموعة الكلاسيكيات (في الوسط)


في وقت سابق من هذا العام، أطلقت العلامة التجارية أحدث مجموعاتها، "عايدة"، التي تضم قمصاناً وفساتين مصنوعة يدوياً بتقنية الكروشيه التقليدية. وتلا ذلك مجموعة "Dancing out of the Chrysalis" الشهيرة المستوحاة من أجنحة الفراشات. ومع ذلك، يُعتبر أبرز إنجازات هذا العام هو شراكة العلامة التجارية مع دار المجوهرات الفرنسية العريقة كارتييه، والتي تم الإعلان عنها خلال الاحتفال بالذكرى المئوية لخط ترينيتي الأيقوني لكارتييه. وفي حين لا تزال التفاصيل الكاملة للتعاون طي الكتمان، إلا أن اللمحات الأولية تكشف عن شعار كارتييه مطرزاً بخيوط ذهبية بأيدي الحرفيين اللبنانيين - وهو ما يبشر بأمور مثيرة قادمة!

Comments


bottom of page