ننطلق في رحلة لمدة يومين عبر جوهرة الجزائر الساحلية، حيث يلتقي التاريخ بالحداثة
تقع وهران على طول الساحل الجزائري الوعر، ضمن شواطئ البحر الأبيض المتوسط المشمسة، وهي عبارة عن نسيج نابض بالحياة من الثقافة والتاريخ والجمال الطبيعي. تعتبر وهران جوهرة مخفية تنتظر اكتشافها من قبل المسافرين الباحثين عن تجارب أصيلة، وبفضل جمالها البكر وتراثها الثقافي الغني وضيافتها الدافئة تكتسب وهران زخماً مطرداً كمقصد سياحي واعد على الساحة السياحية.
مع هذا البرنامج الذي يمتد على مدار يومين، انغمس في سحر هذه الجوهرة الساحلية الجزائرية، حيث تتعانق التقاليد القديمة بسلاسة مع جاذبية العصر الحديث، ما يوفر مغامرة لا تُنسى للجميع.
اليوم الأول
ابدأ رحلتك عبر وهران بالتوجه إلى قلب المدينة، حيث تقف الساحة المركزية كشاهد حي على ماضيها العريق وحاضرها النابض بالحياة. هنا، وسط بقايا الهندسة المعمارية الاستعمارية الفرنسية، تمتزج أصداء حقبة ماضية مع نبض الحياة المعاصرة بشكل سلس. وتهيمن دار الأوبرا على مشهد هذا التقارب الثقافي، حيث تعكس تصميماتها الداخلية الباروكية همسات القرون الماضية. وعلى الرغم من أن الدخول إلى المسرح يقتصر على الفعاليات والمسرحيات والعروض، إلا أنه لا يزال بإمكانك الاستمتاع بواجهة الدار الفخمة من الساحة.
تُعد ساحة أول نوفمبر المركز المحوري للمدينة، وهي ساحة تاريخية غارقة في حكايات الشجاعة والصمود. هنا، تحتل النافورة المذهلة مركز الصدارة بالإضافة إلى مسلّة المجد المهيبة التي شُيدت عام 1898 لتكريم جنود الجيش الفرنسي الشجعان الذين سقطوا ببسالة خلال معركة سيدي إبراهيم عام 1845.
وبالإضافة إلى ذلك، تقف دار الباهية، وهي قاعة بلدية وهران، كحارس قوي داخل هذه الساحة الصاخبة. تزين واجهتها المهيبة تماثيل تصور أسوداً كرمز دائم لروح المدينة التي لا تقهر وتراثها الغني. تقول الأسطورة أن هذه الوحوش كانت تجوب الأراضي المحيطة بها ذات مرة، وظلت تقترب من الضواحي باستمرار، تماماً مثل الغزوات التي تعرضت لها وهران على مر القرون، حتى تم طردها في النهاية. وعلى مرمى حجر من الساحة الرئيسية، تقع إحدى جواهر وهران المحببة، وهي كاتدرائية القلب المقدس. شُيدت هذه الأعجوبة المعمارية في أوائل القرن العشرين، وتم تحويلها إلى مكتبة عامة بعد استقلال البلاد في الستينيات. وعلى الرغم من تحول الغرض من استخدامها، لا تزال الكاتدرائية تقف شاهدة كدليل حي على الحرفية البيزنطية، حيث تبهر واجهتها المزخرفة وتفاصيلها الدقيقة الزوار.
اختتم يومك بالانغماس في الأجواء النابضة بالحياة في أسواق وهران المحلية. وخلال تجولك بين البسطات المزدحمة في سوق شارع الأوراس، يمكنك شراء مجموعة متنوعة من المنتجات الطازجة والتوابل العطرية والمأكولات المحلية الشهية، بما في ذلك الزيتون والحلويات التقليدية.
عند غروب الشمس، يمكنك التنزه على طول كورنيش الواجهة البحرية، فرونت دي مير. يمتد هذا الكورنيش على مسافة كيلومترين، ويطل على الميناء، حيث يوفر إطلالات على البحر من جهة وعلى المباني الآسرة من الجهة الأخرى، مما يجعل هذه النزهة أفضل طريقة لإنهاء يومك الأول.
اليوم الثاني
لاكتشاف المزيد عن ماضي وهران العريق، ابدأ يومك الثاني في قصر الباي، حيث يقدم مجمع التحصينات المترامي الأطراف لمحة عن تاريخ المدينة. تشمل بقايا عظمة القصر السابقة غرفة عامة مزينة بسقف مطلي وعرش السلطان وسجن سابق وإسطبلات. جزء آخر من المجمع هو شاتو نوف أو القصر الجديد. كان في الأصل حصناً يعود تاريخه للقرن الرابع عشر، ويعرض التطور المعماري في وهران، حيث يمزج بين التأثيرات المغربية والإسبانية.
وعلى بعد خطوات قليلة، يضم مسجد حسن باشا، الذي شُيد عام 1797، واحدة من أروع المآذن في وهران - وهو هيكل مثمن مذهل مزين بزخارف من الطوب المعقدة والفسيفساء النابضة بالحياة.
تابع رحلتك بجولة هادئة على طول ممشى ابن باديس الساحر، الذي يقودك إلى الأحياء التاريخية في سيدي الهواري. سُميت على اسم الولي المحترم شفيع المدينة، يتغلغل إرث سيدي الهواري، الإمام والعلامة الجزائري الموقر، من خلال هندسته المعمارية المتأثرة بالطرازين الإسباني والعثماني. ومن معالمها البارزة الحمامات التركية وكنيسة القديس لويس وساحة دي لا بيرل والبوابة الإسبانية المؤدية إلى ضريح سيدي الهواري.
وتقف قلعة سانتا كروز الشهيرة كرمز خالد لقدرة تحمل المدينة. تتربع القلعة على قمة هضبة إيدور، وتطل على خليج وهران، وهي واحدة من أكثر المعالم شهرة في المدينة. توفر القلعة، التي بناها الإسبان في الأصل ثم استولى عليها الفرنسيون عام 1831، إطلالات بانورامية مذهلة على وهران والمناطق المحيطة بها.
بجانب القلعة تقع كنيسة سانتا كروز، والتي وفقاً للأساطير المحلية، أنشئت عن طريق معجزة خلال تفشي الكوليرا عام 1847، حيث أنقذت الصلوات التي أقيمت فيها المدينة من الدمار.